إعدام شعور

عادت إليه نوبة الصداع من جديد ، إنه مرض العصر ، في ظل هذه المشاكل والصدمات اليومية المتتالية للمرء ، كيف لا يحدث له المرض اللعين ، تاكد صالح بأنه يرهق نفسه منذ سنوات في العمل ، كل هذا على حساب أعصابه متطلبات حياته الأخرى .

- لا تستخف بصحتك يا بني ، إذهب الى الطبيب . قالها والده بنوع من الإهتمام .

- لقد كبرت ياهذا ، أولى بك أن تهتم بصحتك هل تنتظر أن يأخذك أبوك إلى الطبيب. قالها صديقه عمار بكل بساطة.

- إذا أردت أن تحافظ على توازنك النفسي والاجتماعي ، أنصحك بدخول القفص الذهبي ولن تسمع بالصداع بعد اليوم . قالها الطبيب وأعطاه الوصفة.

لاحت عن بعد صيدلية ، الربيع، فدخل مع الداخلين وانتظر دوره ، أخذ يتأمل الديكور وطريقة ترتيب الأدوية ، حقيقة مصائب قوم عند قوم فوائد ، نحن نمرض وهم يحققون الأرباح ، الطاقم المشرف على الصيدلية يتكون من كهل وشاب وشابة ، لم تكن واضحة المعالم لأنها كانت تبحث عن الأدوية في أحد الرفوف ، ولكن ما أن مرت قربه حتى أحس بأنه تحول إلى موجة ذات توتر عال ، إنها آية في الجمال ، هذا أول انطباع سطع في ذهنه، أبحرت به إلىشاطئ الأحلام ، تساءل في أعماق ذاته،هل ستكون فارسة أحلامه التي يبحث عنها منذ قرون ، لطالما تراءت له في ليالي عمره الطويل .

أخيرا تجلى الحلم وأصبح حقيقة ، كان صالح قلقا من طول الانتظار ولكنه ما أن رأى الملاك ، لم يعد يهمه الوقت ولا الأشخاص ،بل أصبح يعطي دوره لأي داخل جديد ، إنه مستعد بأن يشتري الزمان والمكان من أجل تحويل الحلم إلى واقع ، أحس بأنه لم يعد ثمة صداع ، بل شعر بقلبه يخفق بطريقة سريعة ، هل ممكن أن يحدث له هذا، أول حب من أول وصفة ولما لا نفس السيناريو يتكرر منذ بدء الخليقة ، كل شئ يتطور ولكن ذلك الشعور بقي نفسه نابعا من مصدر واحد ووحيد .

عندما سيخرج من هذه الصيدلية سيصبح شخصا آخر على المستوى الحسي ، سيرى الحياة بمنظار جديد ، حقا إنها صيدلية الربيع ، ولو كانت فيها زهرة وحيدة ولكن خلابة ، أخذ الحبل البشري يتضاءل شيئا فشيئا ،لأنه لم يدخل زبائن جدد وفي نفس الوقت يخرج إثنان أو أكثر بسبب عدم وجود الأدوية ، هناك تفكير غريب ينتاب رواد الصيدليات ومفاده أن كل واحد يتمنى أن لا يجد سابقيه في الدور الدواء حتى يأتي دوره بسرعة في حين أنه ينسى إمكانية تعرضه لنفس المصير .

أخذ يقترب من فارسة أحلامه ، تعمد أن يترك مكانه لشاب كان وراءه حتى تكون خدمتها من نصيبه ، تبدو محتشمة ومحافظة ، في هذا الزمن الرديء ، من حسن حظ المرء أن يجد فتاة بهذه المواصفات ، كل تصرفاتها مميزة ومحفزة ، ليس هناك مجال للتعارف ومافاته كثير عليه أن يسأل عنها ويخطبها في أسرع وقت ممكن .

وما أن حانت خبطة العمر ، أعطاها الوصفة وفي أعماقه يعطيها كل الوقت للبحث عن دواءه حتى لوبقيت الدهر كله فهو غير مستعجل بل يجد في تأخرها راحة وسرعتها مرارة .

- من حسن حظك كل الأدوية موجودة.

شكرها متمنيا أن يكون له الحظ في أشياء أخرى .

- ألف دينار ،لا تستغرب فالأدوية ارتفعت أسعارها هذه الأيام.

أدخل يده في جيبه بطريقة آلية ليعطيها النقود ، في هذه الأثناء ،رن جرس الهاتف الموضوع قرب الكهل .

- السيدة نوال ، زوجك على الخط.

صعق صالح لهول ما سمع ، مفاجأة لم تكن متوقعة، أحلامه تبخرت في رنين هاتف ، جاءه شعور كاذب يخبره بأن الكهل يقصد سيدة موجودة بالداخل ، ولكن هذا الشعور تم إعدامه خارج نطاق القضاء بمجرد توجه فارسة أحلامه السابقة نحو الهاتف ، دفع ما عليه وخرج كما دخل بصداع قوي ، فقد تحولت الأزهار إلى أوراق صفراء ذابلة وأضحى الربيع خريفا .

عودة الى قائمة المنشورات

 

عودة إلى الصفحة الرئيسية