كل هؤلاء الناس بل حتى هذه الدنيا بأكملها لا تعدو لي سوى مجرد حالة كبيرة تتفرع إلى حالات مختلفة تتعدد أوجه التعامل معها حسب الظرف المكاني والزماني .
- سيجارة من فضلك ، الأخيرة أكملتها منذ دقائق .
لم ينتبه إلا على صوت السائل ، هذا الأخير لا يمثل له سوى حالة وهو بصدد معالجتها.
- معذرة فأنا لا أدخن .
بدت ابتسامة شاحبة على وجه الحالة ، سرعان ما تحولت إلى سحابة غضب عندما أردف صاحبنا:
- ولكنني أنصحك بالامتناع عن التدخين لأنه مضر بالصحة.
- طلبت سيجارة ولم أطلب درسا.
وقف علي في مكانه يتأمل خطوات المدخن المميزة ، مشيته تدل على قلق هستيري ، ترى ماذا كانت ستكون إجابته لو أعطيته سيجارة ودرسا .
واصل طريقه ومن حين لآخر كان يشاهد نفسه على واجهات المتاجر ويستمع إلى وقع أقدامه ، إنها خطوات رجل أدرك حقيقة هذه الحياة ، يحس بأنه بمنأى عن تأثير الجاذبية وقوانين الطبيعة ونواميس العالم .
اقترب من الهدف ، مكتب القوى العاملة ، اللوحة الجديدة أضفت على البناية نوعا من الجمال ، أظن أن هذا التغيير يدل على بارقة أمل جديدة ، وبماذا يفسر إستدعاءهم لي ، كل شئ عندهم الملف والطلب الخطي .
وجد في بهو الاستقبال مجموعة من الشباب ، يبدو أنهم جاءوا لنفس الغرض ، إنها حملة توظيف واسعة ، في ظل هذه الأزمة الاقتصادية من حسن حظ المرء أن يجد عملا . توجهت الأنظار نحو رجل دخل البهو ، يظهر من هندامه بأنه رجل مهم ..
- طلبنا منكم الحضور لنعرف بأنكم ما زلتم ترغبون في العمل ،وطبعا وجودكم هنا يدل على ذالك ، والشيء الأهم هو أنكم مطالبون بإضافة وثيقة الحالة المدنية إلى ملفاتكم في أسرع وقت ممكن .
علت موجة من الغضب وجوه البطالين ، ماعدا علي الذي فلتت من شفتيه ابتسامة لأنه بصدد حالة مدنية .