|
|
- عبد القادر ماذا تفعل هنا؟ هل جئت في إطار الحملة المتعلقة بالخدمة الوطنية؟
- أهلا الحاج علي ?- كلا بل جئت لأسوي وضعيتي النفسية ?- فالخدمة الوطنية أديتها منذ سنوات .
- لقد وجدتك في الوقت المناسب ?- لترافقني في طريق العودة وتزيل عني وحشة السفر.
وفيما كانت السيارة تعبر بكل سرعة الوديان والوهاد ? كان مقتنعا بظهور بريق من الحظ فثمة إرادة إلاهية خفية تحميه ? أكل مجانا ويعود الى بيته بدون مقابل ? فجاره التاجر الذي بعثته الحكمة الربانية يِؤكد وجود مسار غريب ينتظره وفجأة أنقذه مبعوث الأقدار من إغفاءته وركن السيارة جانبا .
- إنني متعب ?- أرجو أن تواصل بنا الرحلة وأظنك تحمل معك رخصة السياقة .
- طبعا،- هي الشهادة الوحيدة التي أستعملها من حين لأخر ..
إستلم القيادة وهو يشعر بإعتزاز فقده منذ سنوات ? إذا كانت قيادة سيارة تبعث في المرء هذا الكم الهائل من
النشوة والإنتصار فما بالك بقيادة أمة بأكملها ? يبدو أن الصراع من أجل الوصول الى هرم السلطة أمر مشروع جدا .
- توقف قرب هذا المقهى الجانبي لنرتاح قليلا وطبعا ما ستشربه سيكون على حسابي .
طلب كوب عصير وأخد يتأمل جدران المقهى التي إمتلأت بصور مختلفة لفرق محلية ووطنية وبعض الإعلانات التجارية
للمشروبات الغازية والتي تعتمد على إبهار الصورة والألوان والجمل المختصرة والهادفة ? وإستقرت صورة الرئيس في الأعلى لتقابل كل داخلا جديد وبدى بنظراته الحادة مستعدا للرد بصرامة وبكل حزم على كل ما تسول له نفسه رهن حاضر ومستقبل البلاد ? أما إبتسامته فتعبر عن حبه وتقديسه للمواطنين والوطن وتعمد صاحب المقهى أن يضع
صورته بمحاذاة الرئيس آملا في تحقيق مجد خيالي ? ولكن ما يفصل بين الإثنين على أرض الواقع ملايين السنوات
الضوئية، وعلى جانبي الجدار تصطف أغلفة الأشرطة السمعية لكل الفنانين والمطربين وكل من وطأت قدماه أستوديو
تسجيل ? هؤلاء ساهموا في تكريس رداءة الذوق العام الغريب في الأمر هو عدم وجود رقابة في القطاع ? ومن جهة أخرى تحظى الصحافة بجهاز عقوبات رادع جدا.
قرب نافذة المقهى وقف رجلا بدينا ? يستعمل هاتفه النقال بصورة ملفتة للإنتباه وكأنه يتعمد الرفع من صوته ? كلامه كله يدور حول السلع والشاحنات والفاتورات ويبدو المشهد أكثر سخرية حين يقارن المرء بين حجم الرجل وحجم الهاتف النقال ? فالدول المتقدمة تصنع الحضارة والعالم الثالث يستهلك فقط .
توجه التاجر نحو شخص يجلس وحيدا في الجانب الأيمن للمقهى وبعد لحظات عاد الى صاحبنا مبتسما .
- أرجو أن تقدم لي هذه الخدمة ?- إنني مضطر للعودة الى قسنطينة مع الشخص الي كنت أتحدث معه وهذا من أجل أمر هام وعليه أطلب منك أن تواصل السفر وتسلم السيارة لإبني مروان ?- ستجده في المتجر أو في البيت وطبعا لا تنسى إعطاءه الوثائق والمفاتيح وإخبره بأنني سأعود في الغد .
- تستطيع أن تعتبرها وصلت
- خد هاهي الوثائق وهذا المبلغ من المال ربما يحصل لك عطب في الطريق
- إن شاء الله لن يحدث شيئا
- أنت لا تعرف مشاكل الطريق ?- السيارة تأخدك الى نحو كل الإتجاهات وترميك في أي مكان ?- إذا وصلت بسلام
إحتفظ بالمال لديك وإعتبره كمقابل بسيط للمجهود الذي بذلته معي
- سأرد المبلغ الى إبنك ويكفي أنك ساعدتني على العودة
- قلت لك خد المبلغ ولا تجادل فأنا في مقام أبوك
- لك ما تريد طريق السلامة وعودة ميمونة الى بيتك
بعد دقائق غادر عبد القادر المقهى وهويشعر بأنه تحول الى رجل أعمال أو شخصية هامة فهو يمتلك سيارة وقدرا من المال ولديه هدف واضح ألا وهو العودة الى مدينته، بمجرد ما إنعطف يمينا عبر الطريق الوطني حتى أدرك مقدار السعادة التي يعيشها ? سوف يصل في الوقت المناسب وبإمكانه حتى التجوال في المدينة ? على الأقل سوف يستعرض قدراته ومكانته المؤقتة أمام زملاؤه في عالم البطالة ? عدم وجود مالك السيارة جعله يحس بالنشوة التي يعيشها مدبري الإنقلابات السياسية والعسكرية ولولفترة قصيرة ? في الدول المتخلفة يجب الإستيلاء علىالإذاعة قبل الدخول الى قصر الحاكم لأن هذا الأخير يستمد قوته من خلال أمواج الأثير .
بعد ساعتين من الأحلام والتحاليل لاحت له عن بعد مدينته تقرت تعانق النخيل وتتوسد الكثبان الرملية ? أخد يتجول
عبر الشوارع الرئيسية حيث بدت الطرق أنظف والأرصفة أجمل في حين غرست نخلة قسرا في مفترق الطرق ? هذه التغيرات المذهلة تدل على إحتمال زيارة مرتقبة للرئيس .
توجه نحو شارع الجوهرة الخضراء حيث يقيم وجهاء وأعيان المدينة ? سلم السيارة الى إبن التاجر وعاد الى بيته
راجلا ? يغمره شعور الملك الذي فقد تاجه ? وقارن بين ما كان عليه وما أصبح فيه وأيقن بحدوث تجدد وإنبعاث فأحداث سنوات وقعت له في يومين ? يجب عليه ان يحدد مساره وهدفه ? دخل بيته فإستقبلته أمه بالأحضان ? فأحس بعودته من جديد الى ربيع الحياة