رفعت بصري صوب القمر الذي مازال يترقب خطواتي ، عندما كنا نركض في الشوارع والأزقة ، طالما تساءلنا عن فحوى الدائرة المضيئة في قلب السماء، وما كان يحيرنا هو ملازمته لنا ، مهما حاولنا التوغل بين الأشجار والحقول ،مع مرور الزمن أضحى القمر عزيزا علينا جميعا لكونه يتيح لنا متعة السهر قرب منازلنا ، غير أنني لن أنسى صديق الطفولة صالح ، الذي كان يكره القمر بصورة تدعو إلى الاستغراب ،لقد كان يتفادى الخروج في الليالي المقمرة ،فكان دوما يسعى إلى القضاء على تلك الصورة الجمالية للقمر، إنه وحش معلق في السماء ، هذه مقولته دائما ، وحاليا يعيش هائما في المدينة ، لقد فقد عقله بسبب الخوف والقلق وسوء أحواله الإجتماعية .
وفيما كنت أقطع الطريق إذ بصوت يناديني هات سيجارة من ، صالح ، إنها مفارقة عجيبة في الوقت الذي كنت أفكرفي أمرك ، ألتقي بك هل هو بالخارج من القمر، ذالك الوحش المعلق في السماء لا تخش شيئاإنه في الطرف الآخر من الجسر ، خذ هذه أخبر أهل المدينة بأنني سأقبض على الوحش غدا ، سأحبسه في أعماق الوادي
تركت الهائم وواصلت طريقي نحو البيت، لا أصدق بأن القمر هو السبب في كل ما يحدث لهذا التعيس .
في اليوم الموالي وأثناء عودتي في المساء وبمجرد خروجي من مقر عملي ، فوجئت بعدم وجود أي أثر للقمر ، نظرت يمينا ويسارا ، ولكن بدون فائدة ، أيعقل أن يغادرنا بدون سابق إشعار وأي معني يا ترى للتسكع الليلي بدون قمر ،وكيف سيكون هناك هلال ونحن على أبواب شهر رمضان الكريم .
واصلت طريقي مصدوما بما حدث ، حتى ظلي غادر المكان لأنه افتقد حليفه الطبيعي ، حاولت مصابيح الشارع إنقاذ الموقف ، لكنها باءت بالفشل ، أيعقل أن يسرق شخص معتوه قمرا، ولما لا ، بالنظر إلى الحقد التاريخي الدفين الذي يكنه لغريمه اللدود، زيادة على أنه ليس لديه طموح ، عدا الانتقام من القمر وتحقيق حلمه الكبير .
الجسر كان يبدو عاديا تلك الليلة وهو يعانق السيارات المشردة والمترجلين الحائرين مثلي ، دخلت منزلي والأفكار تتصارع في أعماقي ، وبعد العشاء جلست حزينا ، أشاهد برنامجا مملا وفجأة ظهرت مقدمة الأحوال الجوية ، معلنة عن حدوث خسوف للقمر هذه الليلة .
فتحت النافذة وتأملت القمر الذي عاد لتوه ، تنفست الصعداء وأيقنت بأن صالح فشل في تحقيق مشروعه الغريب .